يا من فقد بصره :
أبشر بالجنة ثمناً لبصرك ، واعلم أنك عرضت نوراً
في قلبك ، وسلمت من رؤية المنكرات, ومشاهدة المزعجات والملهيات
يا أيها المريض:
طهور إن شاء الله فقد هُذبت من الخطايا, ونقيت من
الذنوب, وصُقل قلبك وانكسرت نفسك, وذهب كبرك وعجبك
لماذا تفكر في المفقود ولا تشكر على الموجود, وتنسى النعمة الحاضرة,
وتتحسر على النعمة الغائبة, وتحسد الناس وتغفل عما لديك.
ولا بد من شيء من المرض يذكرك العافية, ويجتث شجرة الكبر ودرجة
العجب ليستيقظ قلبك من رقدة الغافلين.
كن كالنملة في المثابرة, فإنها تصعد الشجرة مائة مره وتسقط ثم تعود
صاعدة حتى تصل, ولا تكل ولا تمل.
وكن كالنملة فإنها تأكل طيباً وتضع طيباً وإذا وقعت على عود لم
تكسره...
(وَسَارِعُوا)(آل عمران: من الآية133) ثب وثباً إلى العلياء فإن
المجد مناهيه, ولن يقدم النصر على أقدام من ذهب ولكن مع دموع ودماء
وسهر ونصب وجوع ومشقة.
عرق العامل أزكى من مسك القاعد, وزفرات الكادح أجمل من أناشيد
الكسول, ورغيف الجائع ألذ من خروف المترف.
لا تتهيب المصاعب فإن الأسد يواجه القطيع من الجمال غير هياب, ولا
تشك المتاعب فإن الحمار يحمل الأثقال ولا يئن, ولا تضجر من مطلبك فإن
الكلب يطارد فريسته ولو في النار.
· لا تظن العاهات تمنعك من بلوغ الغايات, فكم من فاضل حاز المجد وهو
أعمى أو أصم أو أشل أو أعرج, فالمسألة مسألة همم لا أجسام.
عسى أن يكون منعه لك سبحانه عطاء وحجزك عن رغبتك لطف, وتأخرك
عن مرادك عناية, فإنه أبصر بك منك.
· إذا زارتك شدة فاعلم أنها سحابة صيف عن قليل تقشع, ولا يخيفك رعدها
ولا يرهبك برقها فربما كانت محملة بالغيث
الأعمى يتمنى أن يشاهد العالم, والأصم يتمنى سماع الأصوات, والمقعد
يتمنى المشي خطوات, والأبكم يتمنى أن يقول كلمات, وأنت تشاهد وتسمع
وتتكلم.
لا تظن أن الحياة كملت لأحد, من عنده بيت ليس عنده سيارة, ومن عنده
زوجة ليس عنده وظيفة, ومن عنده شهية قد لا يجد الطعام, ومن عنده
المأكولات فقد منع من الأكل.
الطائر لا يأتيه رزقه في العش, والأسد لا تقدم له وجبته في العرين,
والنملة لا تعطي طعامها في مسكنها, ولكن كلهم يطلبون ويبحثون فاطلب
كما طلبوا تجد كما وجدوا.
كل مأساة تصيبك فهي درس لا ينسى, وكل مصيبة تصيبك فهي محفورة في
ذاكرتك, ولهذا هي النصوص الباقية في الذهن.
هنيئاً لمن بات والناس يدعون له, وويل لمن نام والناس يدعون عليه,
وبشرى لمنى أحبته القلوب, وخسارة لمن لعنته الألسن.